سير الصالحين:
فقيه الفقهاء.. سعيد بن المسيب
نادية
كيلاني
سعيد بن
المسيب بن حزن بن أبي وهب المخزومي القرشي، (637 - 715م / 14 هـ - 94 هـ) كنيته
أبو محمد، ولد لسنتين من خلافة عمر بن الخطاب، من كبار أهل العلم في الحديث، الفقه
والتفسير القرآني، يعتبر سيد فقهاء المدينة والتابعين، روى عن عدد من الصحابة وبعض
أمهات المؤمنين وكان أعلم الناس بقضايا رسول الإسلام محمد بن عبد الله، وقضاء أبي
بكر وعمر بن الخطاب، جمع بين الحديث والفقه والزهد والورع، واسع العلم ويقال له
فقيه الفقهاء.
كان رجلا وقورا له هيبة عند مجالسيه فكان يغلب عليه الجد عفيفا معتزا
بنفسه لا يقوم لأحد من أصحاب السلطان، ولا يقبل عطاياهم ولا هداياهم ولا التملق
لهم أو الاقتناع بهم وكان يعيش من التجارة في الزيت.
أما
زوجته فهي أم حبيب الدوسية بنت أبي هريرة .
أقواله
عن بكر بن خنيس، قال: قلت لسعيد بن المسيب وقد رأيت أقواماً يصلون
ويتعبدون: يا أبا محمد ألا تتعبد مع هؤلاء القوم؟ فقال لي: يا ابن أخي إنها ليست
بعبادة، قلت له: فما التعبد يا أبا محمد؟ قال: التفكر في أمر الله والورع عن محارم
الله وأداء فرائض الله تعالى.
عن سعيد بن المسيب، قال: من حافظ على الصلوات الخمس في جماعة فقد ملأ
البر والبحر عبادة. وقال: ما فاتتني الصلاة في الجماعة منذ أربعين سنة.
عن سعيد بن المسيب: أنه اشتكى عينيه فقيل له: يا أبا محمد، لو خرجت
إلى العقيق فنظرت إلى الخضرة فوجدت ريح البرية لنفع ذلك بصرك، فقال سعيد: فكيف
أصنع بشهود العتمة والصبح؟.
عن إسماعيل بن أمية، عن سعيد بن المسيب، قال: ما دخل على وقت صلاة
إلا وقد أخذت أهبتها، ولا دخل على قضاء فرض إلا وأنا إليه مشتاق.
حدثنا عبد المنعم بن إدريس، عن أبيه، قال: صلى سعيد بن المسيب الغداة
بوضوء العتمة خمسين سنة.
وقال
سعيد بن المسيب: ما فاتتني التكبيرة الأولى منذ خمسين سنة، وما نظرت في قفا رجل في
الصلاة منذ خمسين سنة.
حدثنا
الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن عائشة رضي الله تعالى عنها، أن رسول الله (صلى الله
عليه وسلم) قال: إن لكل شيء شرفا يتباهون به وإن بهاء أمتي وشرفها القرآن.
نظرته إلى النفس :
حدثنا ابن وهب، قال: أخبرني ابن جريج أن عبيد الله بن عبد الرحمن
أخبره، أنه سمع سعيد بن المسيب، يقول: يد الله فوق عباده فمن رفع نفسه وضعه الله،
ومن وضعها رفعه الله. الناس تحت كنفه يعملون أعمالهم فإذا أراد الله فضيحة عبد
أخرجه من تحت كنفه فبدت للناس عورته.
عن يحيى
بن سعيد: أن سعيد بن المسيب كان يكثر أن يقول في مجلسه اللهم سلم سلم؛ وهذا من
خشية الله.
عن ابن
حرملة، قال: حفظت صلاة ابن المسيب وعمله بالنهار، فسألت مولاه عن عمله بالليل،
فقال: أنه لا يدع أن يقرأ بصاد والقرآن كل ليلة، والسبب أن رجلاً من الأنصار صلى
إلى شجرة فقرأ بصاد فلما سجد سجدت الشجرة معه فسمعها تقول: اللهم أعطني بهذه
السجدة أجراً، وضع عني بها وزراً، وارزقني بها شكراً، وتقبلها مني كما تقبلتها من
عبدك داود.
عن علي
بن زيد، عن سعيد بن المسيب قال: ما أيس من الشيطان من شيء إلا أتاه من قبل النساء،
وقال: أخبرنا سعيد وهو ابن ثمانين وقد ذهبت إحدى عينيه وهو يعشو بالأخرى: ما شيء
أخوف عندي من النساء.
زواج ابنته
عن
إبراهيم ابن عبد الله الكتاني، أن سعيد بن المسيب زوج ابنته بدرهمين، فعن ابن أبي
وداعة، قال: كنت أجالس سعيد بن المسيب ففقدني أياماً فلما جئته قال: أين كنت؟ قلت:
توفيت أهلي فاشتغلت بها، فقال: ألا أخبرتنا فشهدناها.
ثم قال:
هل استحدثت امرأة، فقلت: يرحمك الله ومن يزوجني وما أملك إلا درهمين أو ثلاثة،
فقال: أنا، فقلت: أو تفعل، قال: نعم، ثم حمد الله تعالى وصلى على النبي (صلى الله
عليه وسلم) وزوجني على درهمين، فقمت ولا أدري ما أصنع من الفرح.
فصليت
المغرب وانصرفت إلى منزلي، وجعلت أتفكر ممن أستدين، وكنت وحدي صائماً فقدمت عشائي
أفطر وكان خبزاً وزيتاً، فإذا بالباب يقرع، فقلت: من هذا؟ قال: سعيد، فظننت أنه
بدا له، فقلت: يا أبا محمد إلا أرسلت إلي فآتيك، قال: لأنت أحق أن يؤتى.
ثم قال: إنك كنت رجلاً عزباً فتزوجت فكرهت أن تبيت الليلة وحدك
وهذه امرأتك، فإذا هي قائمة من خلفه في طوله، ثم أخذها بيدها فدفعها بالباب فسقطت
المرأة من الحياء فاستوثقت من الباب ثم صعدت إلى السطح فناديت الجيران، فجاءوني
فقالوا: ما شأنك؟ قلت: زوجني سعيد بن المسيب ابنته اليوم وقد جاء بها على غفلة.
فنزلوا هم إليها وبلغ أمي فجاءت، وقالت: وجهي من وجهك حرام إن مسستها
قبل أن أصلحها إلى ثلاثة أيام، فأقمت ثلاثة أيام ثم دخلت بها فإذا هي من أجمل
الناس، وإذا هي من أحفظ الناس لكتاب الله وأعلمهم لسنة رسول الله صلى الله عليه
وسلم، وأعرفهم بحق الزوج.
قال عبد الله بن سليمان: وكانت بنت سعيد بن المسيب قد خطبها عبد
الملك بن مروان لابنه الوليد بن عبد الملك حين ولاه العهد فأبى سعيد أن يزوجه فلم
يزل عبد الملك يحتال على سعيد حتى ضربه مائة سوط في يوم بارد وصب عليه جرة ماء
وألبسه جبة صوف.
هو والحاكم
عن ميمون بن مهران: أن عبد الملك بن مروان قدم المدينة فاستيقظ من
قائلته فقال لحاجبه: انظر هل ترى في المسجد أحداً من حداثهفلم ير فيه إلا شيخا،
فأشار إليه بإصبعه فلم يتحرك، ثم أتاه الحاجب فقال: ألم تر أني أشير إليك؟ قال: وما
حاجتك؟ فأخبره بأمر أمير المؤمنين فقال: لست من حداثه، فخرج الحاجب فأخبر أمير
المؤمنين بما حدث.
فقال
عبد الملك بن مروان: ذلك سعيد بن المسيب دعه.
حدثنا عمران بن عبد الله، قال: دعي سعيد بن المسيب للبيعة للوليد
وسليمان بعد عبد الملك بن مروان، فقال: لا أبايع اثنين ما اختلف الليل والنهار،
فأتى به فقال: إن أمير المؤمنين كتب يأمرنا إن لم تبايع ضربنا عنقك، وقال: نهى
رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عن بيعتين.
قال: فقيل: أدخل من الباب وأخرج من الباب الآخر، قال: والله لا يقتدي
بي أحد من الناس، قال: فجلده مائة وألبسه المسوح.
عن أبي عيسى الخراساني، عن سعيد بن المسيب، قال: لا تملئوا أعينكم من
أعوان الظلمة إلا بإنكار من قلوبكم لكي لا تحبط أعمالكم الصالحة.
نظرته إلى الدنيا والمال :
حدثنا سفيان بن عيينة، قال: قال سعيد بن المسيب: أن الدنيا نذلة، وهي
إلى كل نذل أميل، وأنذل منها من أخذها بغير حقها، وطلبها بغير وجهها، ووضعها في
غير سبيلها.
حدثني يحيى بن سعيد، قال: سمعت سعيد بن المسيب، يقول: لا خير فيمن لا
يريد جمع المال من حله يعطي منه حقه ويكف به وجهه عن الناس.
وقال: لا خير فيمن لا يحب هذا المال يصل به رحمه ويؤدي به أمانته
ويستغني به عن خلق ربه.
عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب: أنه مات وترك ألفين أو ثلاثة
آلاف دينار وقال: ما تركتها إلا لأصون بها ديني وحسبي.
وقال من استغنى بالله افتقر الناس إليه.
....................
ـ المشهد 2-3-2012 | 10:37
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق