سير الصالحين: عائشة بنت الصديق..حبيبة النبي
نادية كيلاني
تزوجها النبي (صلى الله عليه وسلم) في شوال سنة 11من
النبوة، بعد زواجه بسودة ب3 سنوات (في رواية )وسنة واحدة (في رواية أخرى)، وقبل
الهجرة بسنتين وخمسة أشهر، وكانت بكراً ولم يتزوج بكراً غيرها، وكانت أحب الخلق
إليه، وأفقه نساء الأمة، وأعلمهن على الإطلاق،
نسبها
كان
أبوها أبو بكر عبد الله بن أبي قحافة، وأمها أم رومان بنت عامر بن عويمر بن عبد
شمس
نشأتها
ولدت
أم المؤمنين عائشة في السنة الرابعة بعد البعثة في بيت مليء إيمانا وعلما وشرفا
فنشأت مع إخوتها بين أبوين كريمين فتربت على الأدب والخلق الرفيع، وتعلمت من أبيها
أشعار العرب وأيامهم.. في طفولتها منذ نعومة أظفارها قبل أن تنتقل إلى بيت النبوة
الذي عاشت فيه بداية شبابها وفيه سمعت ما يتلى من آيات الله والحكمة فكانت من أنجب
من تربى في مدرسة النبوة، ولم تتجاوز العقد الثاني من عمرها حتى استوعبت جميع
ثقافة مجتمعها وتفوقت على غيرها في شتى العلوم الموجودة في ذلك العصر رضوان الله
عليها.
تزوجها رسول الله بعد وفاة زوجته الأولى أم
المؤمنين خديجة بنت خويلد وزواجه من أم المؤمنين سودة بنت زمعة العامرية القرشية،
وكان ذلك قبل الهجرة بسنتين، ورغم ورود أن عمرها كان 6 سنين، حين تزوجها الرسول و9سنين
حين بنى بها كما في البخاري ومسلم، إلا أن هذا لم يرد على لسان الرسول (صلى الله
عليه وسلم)، لذلك كان هذا موضع جدل لدى العلماء إذ قال بعضهم بأن زواجه تم وهي
أكبر من ذلك خصوصا وأن تواريخ الميلاد لم تكن تدون آنذاك وسنها الحقيقية آنذاك 14
سنة تبعا لقياس عمرها بعمر أختها الكبرى أسماء بنت أبي بكر، وقد عاشت مع الرسول 8أعوام
و5 أشهر.
تقول بعض الروايات أن عائشة بلغت مبلغ النساء
عندما تزوجها النبي محمد. كما أن ابن حجر روى عن أبي نعيم أن أسماء بنت أبي بكر –أخت
عائشة الكبرى– وُلدت قبل الهجرة ب27 سنة، ومعنى ذلك أن عائشة كانت تبلغ17عاما
تقريبا حين الهجرة أي حين تزوجها محمد، لأن أسماء تكبر عائشة ب10 سنوات.
وثمة دليل آخر وهو أن مطعم بن عدي قد ذكر
عائشة للزواج من ابنه جبير قبل النبي (صلى الله عليه وسلم) عندما تكبر فوافق أبو
بكر وهذا دليل أنها كانت في سن تطلب فيه، لكن لما طلبها النبي للزواج اعتذر أبو
بكر لمطعم بن عدى وزوجها رسول الله.
كما أن ابن قتيبة نصّ على أن عائشة توفيت سنة
58 وقد قاربت السبعين، وهذا يعني أنها كانت حين زواجها بمحمد في عمر13 تقريبا، لأن
الزواج تم قبيل الهجرة النبوية الشريفة.
موقعة الجمل
في
اليوم العاشر من جمادى الأول سنة 36 هجري بعد مقتل الخليفة الثالث عثمان بن عفان
بايع المسلمون علي بن أبي طالب طوعاً وكانت عائشة قد سألها الأحنف بن قيس عن من
يُبايع بعد عثمان. فأمرته بمبايعة علي.
لكن
عائشة وطلحة والزبير بعد أن بايعوا علياً قصدوا البصرة مطالبين علياً بمعاقبة قتلة
عثمان، فقصد الإمام علي بن أبي طالب البصرة في بِضع فرسان يدعوهم للتريّث حتى تهدأ
الأمور فيتسنّى له القبض على القتلة وتنفيذ حُكم الله فيهم، فإن الأمر يحتاج إلى
الصبر.
فاقتنعوا بفكره، وباتوا بأهنأ ليلة، حتى إن
عبد الله بن عباس -وكان ممن جاء مع علي- بات ليلته تلك في معسكر طلحة والزبير،
وبات محمد بن طلحة بن عبيد الله -وكان جاء مع أبيه- في معسكر أمير المؤمنين علي
وبات
تلك الليلة رؤوس الفتنة بشر حال، فاجتمعوا على اغتيال أمير المؤمنين علي، فأشار
بعضهم ألا يفعلوا، فقرر مؤتمرهم الآثم إشعال الحرب بين الفريقين. وقبل دخول الفجر
أمروا بعض زبانيتهم بدخول معسكر الإمام علي وقتل بعض الجنود، والبعض الآخر يدخل
معسكر طلحة والزبير ويقتل بعض الجنود. فيظن كلا الفريقين أن الآخر قد غدر به،
وفعلاً ظن الفريقان ذلك.
قام
الجنود إلى سلاحهم في ذعرٍ وذهول، فجاء علي إلى الزبير وذكره بأن النبي قال للزبير
أنه سيقاتل علياً وهو له ظالم، فرجع الزبير على أعقابه.
ورجع طلحة رجع هو الآخر، فرماه أحد رؤوس
الفتنة بسهمٍ في عنقه فمات. ودارت رحى المعركة وأمير المؤمنين علي يقول:
"يا عباد الله كُفّوا يا عباد الله
كُفوا "
فلما
رأت عائشة ما يجري من قتال ناولت كعب بن سور الأزدي وكان يُمسك بلجام ناقتها مصحفاً
وأمرته أن يدعوا الناس للكف عن القتال قائلة : "خل يا كعب عن البعير، وتقدم
بكتاب الله فادعهم إليه"
هنا
تحرّك رؤوس الفتنة، فرموا كعباً بسهامهم فأردوه فتيلاً وسط المعركة ودخل سهم طائش
في هودج أم المؤمنين فأدمى يدها فأخذت بلعن قتلة عثمان فسمعها الجيش الذين معها
فلعنوهم فسمعهم أمير المؤمنين علي وجيشه فلعنوهم. فاشتاط رؤوس الفتنة -قتلة عثمان-
غضباً وقرروا اغتيال أم المؤمنين عائشة لأنها لن تكُفّ عن توحيد الفريقين، فأخذوا
يضربون هودجها بالسهام من كل مكان، فخشي علي على سلامتها فأمر بقتل البعير لأنه
مستهدف، وانتهت المعركة التي لم تكن بالحُسبان، وكلا الفريقين قصد البصرة على غير
نية القتال.
لم
ينسَ أمير المؤمنين علي قول النبي له ذات يوم:
"إنه سيكون بينك وبين عائشة أمر" -ظاهره
الخلاف- قال علي متعجباً: " أنا يا رسول الله؟! " فقال النبي: " نعم
"، قال علي: " أنا أشقاهم يا رسول الله "، فقال: " لا ولكن
إذا كان ذلك فارددها إلى مأمنها ".
أمر
أمير المؤمنين علي بتنحية هودج أم المؤمنين جانباً وأمر أحد قادة جنده وهو أخوها
محمد بن أبي بكر بتفقّد حالها أن يكون أصابها مكروه، فرأها بخير وسُرّت هي برؤيته
حياً بقولها: " الحمد لله الذي عافاك ". فأتاها أمير المؤمنين علي وقال
برحمته المعهودة:
" كيف أنتِ يا أمه ؟ "،فقالت:
" بخيرٍ يغفر لله لك " فقال: " ولكِ ".
ثم
أدخلها دار بني خلف فزارها بعد أيام فسلم عليها ورحبت هي به.
وجهزها بكل ما تحتاج إليه من متاع وزاد في
طريقها للمدينة المنورة وأرسل معها 40 امرأة من نساء البصرة المعروفات وسيّر معها
ذلك اليوم أبنائه الحسن والحسين وابن الحنفية وأخوها محمد بن أبي بكر الصديق.
فلما كان الساعة التي ارتحلت فيه جاء علي
فوقف على باب دار بني خلف وحضر الناس، وخرجت من الدار في الهودج فودعت الناس ودعت
لهم، وقالت: " يا بني لا يعتب بعضنا على بعض، إنه والله ما كان بيني وبين علي
في القِدم إلا ما يكون بين المرأة وأحمائها وإنه على معتبتي لمن الأخيار " فقال
أمير المؤمنين علي: "صدقت والله ما كان بيني وبينها إلا ذاك، وإنها لزوجة
نبيكم في الدنيا والاخرة " وسارعلي معها أميالاً مودّعاً لها حافظاً عليها.
قال
ابن القيم:
روى
أحمد بن حنبل عنها انها قالت:
«كان النبي إذا ذكر خديجة أثنى عليها فأحسن
الثناء قالت: فغرت يوما فقلت ما أكثر ما تذكرها حمراء الشدق قد أبدلك الله عز وجل
خيرا منها قال:
ما أبدلني الله عز وجل خيرا منها قد آمنت بي
إذ كفر بي الناس وصدقتني إذ كذبني الناس وواستني بمالها إذ حرمني الناس ورزقني
الله عز وجل ولدها إذ حرمني أولاد النساء»
من خصائصها:
أن الرسول لم يتزوج امرأة بكراً غيرها، وأنه
كان ينزل عليه الوحي وهو في لحافها دون غيرها.
وأن
الله عز وجل لما أنزل عليه آية التخيير بدأ بها فخيرها فقال:
"ولا عليك أن لا تعجلي حتى تستأمري
أبويك فقالت: أفي هذا أستأمر أبوي فإني أريد الله ورسوله والدار الآخرة فاستنّ بها
(أي اقتدى) بقية أزواجه وقلن كما قالت.
وأن
الله برأها مما رماها به أهل الإفك وأنزل في عذرها وبراءتها وحياً وشهد لها بأنها
من الطيبات ووعدها المغفرة والرزق الكريم وأخبر الله أن ما قيل فيها من الإفك كان
خيراً لها ولم يكن ذلك الذي قيل فيها شراً لها بل رفعها الله بذلك وأعلى قدرها
وأعظم شأنها وصار لها ذكراً بالطيب والبراءة بين أهل الأرض والسماء.
وأن
الأكابر من الصحابة من كان إذا أشكل عليهم أمر من الدين استفتوها فيجدون علمه
عندها.
وأن
رسول الله توفى في بيتها وفي يومها وبين سحرها ونحرها ودفن في بيتها.
وأن
الملَك أَرى صورتَها للنبي قبل أن يتزوجها في سرقة حرير فقال النبي إن يكن هذا من
عند الله يمضه.
مكانتها عند النبي
روي
عن عبد الله بن عمرو بن العاص في صحيح الترمذي :
قال
يا رسول الله! من أحب الناس إليك ؟ قال: عائشة، قال: من الرجال؟ قال: أبوها
علم
الناس حب رسول الله لعائشة فكانوا يتحرون بهداياهم يومها من رسول الله تقرباً إلى
الرسول فيتحفونه بما يحب في منزلها وعليهن أجمعين.
أوصى (صلى الله عليه وسلم) أن نأخذ عنها
فكانت من أكثر من روى عن الرسول في كتب أهل السنة.
روت عائشة العديد من الأحاديث النبوية عن
الرسول وخاصة ما يتعلق بحياته الخاصة، بلغ عددها 2210 منها 316 في صحيح البخاري
ومسلم.
مكانتها عند الطوائف الإسلامية
أهل
السنة والجماعة : تحظى شخصية عائشة بمكانه مرموقة عند أهل السنة والجماعة وتحاط
بواجبات التقدير والاحترام كونها زوجة الرسول وأم المؤمنين.
الشيعة : تختلف نظرة بعض الشيعة لعائشة بنت أبي
بكر من ناحية المكانة والتقديس وذلك لأنهم يعتبرون أنه قد بدر منها تصرفات منافية
للاعتقاد الشيعي فيما يخص موضوع الإمامة، لكن هناك جانب آخر من الشيعة يحترمها
ويترضى عليها كما ذكر ذلك الأمين العام للمجمع العالمي للتقريب بين المذاهب
الإسلامية في إيران " آية الله " محمد علي تسخيري في حوار له في مؤتمر
عقد بالدوحة حين قال:
" إننا جميعا نحترم السيدة عائشة أم
المؤمنين رضي الله عنها ".
الطوائف الإسلامية الأخرى: لا تختلف نظرة بقية
الطوائف الإسلامية لعائشة عن نظرة أهل السنة والجماعة.
حجرتها رضى الله عنها
دفن (صلى
الله عليه وسلم) في حجرة عائشة، ثم دفن أبوها أبو بكر ولما كان عمر يموت أرسل
يسألها أن يدفن مع صاحبية فأذنت وصارت تحتجب لوجود عمر بن الخطاب.
شهادة ابن عباس
جاء
عبد الله بن عباس يستأذن على عائشة وهي تموت، فجاء ابن أخيها عند رأسها -عبد الله
بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق-، فأكب عليها ابن أخيها عبد الله فقال:
" هذا عبد الله بن عباس يستأذن " فقالت:
"دعني من ابن عباس ".
فقال:
" يا أماه !! إن ابن عباس من صالح بنيك يسلم عليك ويودعك ".
فقالت: " ائذن له إن شئت ". قال:
" فأدخلته "، فلما جلس قال ابن عباس:
"أبشري". فقالت أم المؤمنين:
"بماذا؟"، فقال: " ما بينك وبين أن تلقي محمداً والأحبة إلا أن
تخرج الروح من الجسد، وكنت أحب نساء رسول الله إليه، ولم يكن رسول الله يحب إلا
طيباً ".
وسقطت قلادتك ليلة الأبواء فأصبح رسول الله
وأصبح الناس وليس معهم ماء، فأنزل الله آية التيمم، فكان ذلك في سببك، وما أنزل
الله من الرخصة لهذه الأمة
وأنزل الله براءتك من فوق سبع سموات، جاء بها
الروح الأمين، فأصبح ليس مسجد من مساجد الله إلا يتلى فيه آناء الليل وآناء النهار"
فقالت:
" دعني منك يا ابن عباس، والذي نفسي بيده
لوددت أني كنت نسياً منسياً ".
وفاتها
توفيت ليلة الثلاثاء 17من رمضان من السنة
السابعة أو الثامنة أو التاسعة والخمسين للهجرة. صلى عليها أبو هريرة بعد صلاة
الوتر، ونزل في قبرها خمسة: عبد الله وعروة ابنا الزبير بن العوام ابنا أختها
أسماء بنت أبي بكر والقاسم وعبد الله ابنا أخيها محمد بن أبي بكر، وعبد الله بن
عبد الرحمن بن أبي بكر، وكان عمرها يومئذ سبعا وستين سنة.
.....................
المشهد 5-8-2012 | 04:04رابط
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق