سير الصالحين: الجنيد الصوفي
نادية كيلاني
يعتبر أبو القاسم الجنيد بن محمد الخزاز
القواريري، من علماء أهل السنة والجماعة ومن أعلام التصوف السني في القرن الثالث
الهجري.
أصله من نهاوند في همدان (مدينة اذرية)، ومولده
ونشأته ببغداد. قال عنه أبو عبد الرحمن السلمي: «هو من أئمة القوم وسادتهم؛ مقبول
على جميع الألسنة».
درس الفقه على أبي ثور، وكان يفتي في حلقته وهو
ابن عشرين سنة. توفي يوم السبت سنة 297 هـ.
صحب جماعة من المشايخ، وأشتهر بصحبة خاله سري
السقطي، والحارث المحاسبي.
يقول: "كنت بين يدي سري ألعب، وأنا ابن سبع
سنين، وبين يديه جماعة يتكلمون في الشكر؛ فقال لي: "يا غلام ما الشكر" قلت:
"الشكر ألا تعصي الله بنعمه". فقال لي: "أخشى أن يكون حظك من الله
لسانك" قال الجنيد: "فلا أزال أبكي على هذه الكلمة التي قالها لي السري".
ويقول أيضا : "قال لي خالي سري السقطي:
"تكلم على الناس" وكان في قلبي حشمة من ذلك، فإني كنت أتهم نفسي في
استحقاق ذلك، فرأيت ليلة في المنام، رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وكانت ليلة
جمعة -فقال لي: "تكلم على الناس". فانتبهت، وأتيت باب سري قبل أن أصبح،
فدققت الباب، فقال: "لم تصدقنا حتى قيل لك"
فقعدت في غد للناس
بالجامع، وانتشر في الناس أني قعدت أتكلم، فوقف على غلام نصراني متنكر وقال:
"أيها الشيخ ما معنى قوله: (أتقوا فراسة المؤمن. فإنه ينظر بنور الله) فأطرقت،
ثم رفعت رأسي فقلت: "أسلم فقد حان وقت إسلامك" فأسلم.
من أصحاب الجنيد: أبو بكر الشبلي أبو محمد أحمد بن
محمد بن الحسين الجريري وابن الأعرابي أبو العباس أحمد بن محمد بن زياد إسماعيل بن
نجيد وعلي بن بندار أبو الحسن الصيرفي وعبد الله بن محمد الشعراني أبو محمد الرازي
الأصل وأبو الحسن علي بن هند القرشي الفارسي، من كبار مشايخ الفرس وعلمائهم.
أما أساتذته فهم:محمد بن إبرهيم البغدادي البزاز
أبو حمزة وجالس بشر بن الحارث، وسافر مع أبي تراب، وصحب سريا السقطي.
من أقواله:
"الطرق كلها مسدودة على
الخلق إلا على من اقتفى أثر الرسول".
"من لم يحفظ القرآن، ولم
يكتب الحديث، لا يقتدي به في هذا الأمر لأن علمنا هذا مقيد بالكتاب والسنة"
ومن مواعظه "إنما اليوم إن عقلتَ ضيفٌ
نزل بك وهو مرتحل عنك، فإن أحسنت نزله وقِراه شهد لك وأثنى عليك بذلك وصدق فيك،
وإن أسأت ضيافته ولم تحسن قراه شهد عليك فلا تبع اليوم ولا تعد له بغير ثمنه. واحذر
الحسرة عند نزول السكرة فإن الموت آتٍ وقد مات قبلك من مات".
"اتق الله وليكن سعيك في
دنياك لآخرتك فإنه ليس لك من دنياك شئ، فلا تدخرن مالك ولا تتبع نفسك ما قد علمت
أنك تاركه خلفك ولكن تزود لبعد الشقة، واعدد العدة أيام حياتك وطول مقامك قبل أن
ينزل بك قضاء الله ما هو نازل فيحول دون الذي تريد، صاحِب الدنيا بجسدك، وفارقها
بقلبك، ولينفعك ما قد رأيت مما سلف بين يديك من العمر وحال بين أهل الدنيا وبين ما
هم فيه، فإنه عن قليل فناؤه، ومخوف وباله، وليزِدك إعجابُ أهلها زهداً فيها وحذراً
منها فإن الصالحين كانوا كذلك".
"اعلم يا ابن آدم أنّ طلب
الآخرة أمر عظيم لا يقصر فيه إلا المحروم الهالك، فلا تركب الغرور وأنت ترى سبيله،
وأخلِص عملك، واذا أصبحت فانتظر الموت، وإذا أمسيت فكن على ذلك، ولا حول ولا قوة
الا بالله، وإنّ أنجى الناسِ من عمل بما أنزل الله في الرخاء والبلاء".
يا ابن آدم دينك دينك، نعوذ بالله من النار فإنها
نار لا تنطفئ، وعذاب لا ينفد أبداً، ونفس لا تموت، يا ابنَ آدم إنك موقوف بين يدي
الله ربك ومرتهن لعملك فخذ مم في يديكَ لما بين يديك، عند الموت يأتيك الخبر، إنك
مسؤول ولا تجد جوابًا، إنك ما تزال بخير ما دمت واعظاً لنفسك محاسباً لها وإلا فلا
تلومن إلا نفسك".
وفاته
وقال أبو محمد الجريري: "كنت واقفاً على رأس
الجنيد وقت وفاته -وكان يوم جمعة- وهو يقرأ، فقلت: "أرفق بنفسك" فقال:
"ما رأيت أحداً أحوج إليه مني في هذا الوقت، هو ذا تطوى صحيفتي".
وقال أبو بكر العطار: حضرت
الجنيد عند الموت، في جماعة من أصحابنا، فكان قاعداً يصلي ويثني رجله، فثقل عليه
حركتها، فمد رجليه وقد تورمتا، فرآه بعض أصحابه فقال: "ما هذا يا أبا القاسم"،
قال: "هذه نعم. الله أكبر".
فلما فرغ من صلاته قال له
أبو محمد الجريري: لو اضطجعت"، قال: "يا أبا محمد هذا وقت يؤخذ منه. الله
أكبر، فلم يزل ذلك حاله حتى مات.
وقال ابن عطاء: "دخلت
عليه، وهو في النزع، فسلمت عليه، فلم يرد، ثم رد بعد ساعة، وقال: اعذرني! فإني كنت
في وردي"، ثم حول وجهه إلي القبلة ومات".
وغسله أبو محمد الجريري، وصلى عليه ولده، ودفن
بالشونيزيه، بتربة مقبرة الشيخ معروف الكرخي في بغداد، عند خاله سري السقطي. وصلى
عليه جمع كثير من الناس قدر عددهم بالآلاف
رحم الله أولياءنا الصالحين
..............................
ـ المشهد 30-10-2011 | 13:21
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق