سير الصالحين: جويرية بنت الحارث- سيدة نساء قومها
نادية كيلاني
روى ابن سعد في الطبقات أنه لما وقعت جويرية
بنت الحارث في السبي، جاء أبوها إلى النبي فقال: إن ابنتي لا يُسبى مثلها؛ فأنا أكرم
من ذاك، فخل سبيلها، فقال: (أرأيت إن خيّرناها، أليس قد أحسنّا؟)، قال: بلى،
وأدّيت ما عليك، فأتاها أبوها فقال: إن هذا الرجل قد خيّرك فلا تفضحينا، فقالت: فإني
اخترت رسول الله. وغيَّر النبي محمد اسمها.
نسب جويرية بنت الحارث:
أبوها: الحارث بن أبي ضرار بن حبيب بن عائذ
بن مالك ابن جذيمة
سيد بني المصطلق من خزاعة،
وعن بن إسحاق قال: وجويرية بنت الحارث كان
اسمها برة بنت الحارث كانت عند بن عم لها
يقال له: مسافع بن صفوان بن ذي الشفر المصطلقي.
وعن زينب بنت أبي سلمة عن جويرية بنت الحارث
أن اسمها كان برة وغيّره (صلى الله عليه وسلم) فسماها جويرية، وكان يكره أن يقال: خرج
من عند برة..
نشأة جويرية أم المؤمنين
هي برة بنت الحارث سيدة نساء قومها، أبوها
سيد وزعيم بني المصطلق.
عاشت برة في بيت والدها في ترف وعزوفي بيت
تسوده العراقة والأصالة، وفي حداثة سنها تزوجت من مسافع بن صفوان أحد فتيان خزاعة
وكانت لم تتجاوز العشرين من عمرها.
قال أبوعمر القرطبي في الاستيعاب:
كان اسمها برة فغير رسول ( صلى الله عليه
وسلم) اسمها وسماها جويرية. فأصبحت جويرية بعدها أما للمؤمنين وزوجة لسيد الأولين
والآخرين (صلى الله عليه وسلم(
بدايات النور
بدأ
الشيطان يتسلل إلى قلوب بني المصطلق ويزين لهم بأنهم أقوياء يستطيعون التغلب على
المسلمين، فأخذوا يعدون العدة ويتأهبون لمقاتلة المجتمع المسلم، فتجمعوا لقتال
رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بقيادتهم سيدهم الحارث بن أبي ضرار.
انتصرالنبي (صلى الله عليه وسلم) وأصحابه
وهزمهم في عقر دارهم. وقد أصاب منهم سبيًا كثيرًا، قسمه في المسلمين وكان مسافع بن
صفوان زوج جويرية من الذين قتلتهم السيوف المسلمة وقد كانت السيدة جويرية بنت
الحارث من النساء اللائي وقعن في السبي فوقع تفي سهم ثابت بن قيس بن شماس الأنصاري
رضي الله عنه، عندها اتفقت معه على مبلغ من المال تدفعه له مقابل عتقها؛ فهى ذات
نفس أبية.
عمر جويرية عند الإسلام :
قال ابن عمر: أخبرني محمد بن يزيد عن جدته -وكانت
مولاة جويرية بنت الحارث- عن جويرية -رضي الله عنها- قالت: تزوجني رسول الله (صلى
الله عليه وسلم) وأنا ابنة عشرين سنة،
قصة إسلام جويرية بنت الحارث:
كانت جويرية رضي الله عنها ضمن سبي بني
المصطلق الذين غزاهم الرسول (صلى الله عليه وسلم) وكان قد قتل زوجها في هذه
الغزوة، ووقعت في سهم ثابت بن قيس بن الشماس أو لابن عمه، فكاتبت على نفسها لكونها
أبية وسيدة نساء قومها، ولم يكن معها ما كاتبت عليه فذهبت إلى رسول الله (صلى الله
عليه وسلم) ليعينها على ذلك، فرد عليها بما هو أفضل؛ إذ عرض عليها الزواج منها
وقضاء مكاتبتها، فأجابت بالقبول وأسلمت وحسن إسلامها.
زواجها من الرسول:
عن عائشة قالت: لما سبى رسول الله (صلى الله
عليه وسلم) سبايا بني المصطلق وقعت جويرية بنت الحارث في السهم لثابت بن قيس بن
الشماس أو لابن عمه، فكاتبت على نفسها، وكانت امرأة حلوة ملاحة، لا يكاد يراها أحد
إلا أخذت بنفسه، فأتت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) تستعينه في كتابتها، فوالله
ما هو إلا أن وقفت على باب الحجرة فرأيتها كرهتها، وعرفت أن رسول الله سيرى منها
مثل ما رأيت، فقالت جويرية: يا رسول الله، كان من الأمر ما قد عرفت فكاتبت نفسي
تسع أوراق فجئت رسول الله أستعينه، فأعني على فكاكي".
ولأن بني المصطلق كانوا من أعز العرب دارا
وأكرمهم حسبا، ولحكمة النبي (صلى الله عليه وسلم) قال لجويرية: :فهل لك في خير من
ذلك؟ "فقالت: وما هو؟ قال: "أتزوجك وأقضي عنك كتابتك"
ففرحت جويرية فرحا شديدا وتألق وجهها لما
سمعته من رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ولما سوف تلاقيه من أمان من بعد الضياع
والهوان فأجابته دون تردد أو تلعثم: "نعم يا رسول الله". فتزوجها النبي (صلى
الله عليهوسلم)وأصداقها 400درهم.
قالت عائشة: فبلغ المسلمين ذلك قالوا: أصهار
رسول الله! فأرسلوا ما كان في أيديهم من سبايا بني المصطلق،
قالت: فلقد عتق بتزويجه مائة أهل بيت من بني
المصطلق، قالت: "فما أعلم امرأة كانت أعظم بركة على قومها منها".
أثر الرسول في تربية جويرية بنت الحارث :
كان لا بد أن يكون للرسول (صلى الله عليه
وسلم) أثر كبير في تربيتها، حتى أعدها لتكون أمّا للمؤمنين، فتأثرت به رضي الله
عنها في عبادتها، فكانت تصوم من النوافل الكثير، حتى صامت يوم جمعة منفردا وأمرها
الرسول (صلى الله عليه وسلم) بأن تفطر، وكانت تظل تذكر الله بعد الفجر حتى الشروق
كما كان الرسول يفعل ذلك.
وراحت السيدة جويرية تحذو حذو أمهات المؤمنين
في الصلاة والعبادة وتقتبس من الرسول (صلى الله عليه وسلم) ومن أخلاقه وصفاته
الحميدة حتى أصبحت مثلا في الفضل والفضيلة.
فكانت أم المؤمنين جويرية من العابدات
القانتات السابحات الصابرات وكانت مواظبة على تحميد العلي القدير وتسبيحه وذكره.
صفاتها وأهم ملامحها:
كانت السيدة جويرية من أجمل النساء، كما أنها
تتصف بالعقل النير والرأي السديد الموفق الرزين، والخلق الكريم والفصاحة ومواقع
الكلام كما كانت تعرف بصفاء قلبها ونقاء سريرتها، وزيادة على ذلك فقد كانت واعية،
تقية، نقية، ورعة، فقيهة، مشرقة الروح مضيئة القلب والعقل.
وكانت حرة أبية.. تكره العبودية:
ويظهر هذا واضحًا جليًّا حينما حاولت افتداء
نفسها من الرق بالاكتتاب، فكاتبت على نفسها واتفقت مع ثابت بن قيس بن شماس
الأنصاري على مبلغ من المال تدفعه له مقابل عتقها، رغم أنها لم تكن تملك ما تفك به
نفسها؛ إذ أنها أتت رسول الله وطلبت منه أن يعينها على المكاتبة.
عن مجاهد عن جويرية زوج النبي (صلى الله عليه
وسلم) أنها قالت:
يا نبي الله، أردت أن أعتق هذا الغلام، فقال
رسول الله: "بل أعطيه أخاك الذي في الأعراب يرعى عليه؛ فإنه أعظم لأجرك".
بعض مواقفها مع الرسول:
عن أبي أيوب عن جويرية بنت الحارث رضي الله
عنها أن النبي (صلى الله عليه وسلم) دخل عليها يوم الجمعة وهي صائمة فقال:
"أصمت أمس؟" قالت: لا، قال: "تريدين
أن تصومي غدًا؟ "قالت: لا، قال: "فأفطري".
لم تزالي في مصلاك منذ خرجت؟
عن ابن عباس قال: قالت جويرية بنت الحارث خرج
النبي (صلى الله عليه وسلم) وأنا في مصلاي، فرجع حين تعالى النهار وأنا فيه فقال:
"لم تزالي في مصلاك منذ خرجت؟" قلت: نعم، قال: "قد قلت أربع كلمات
ثلاث مرات لو وزن بما قلت لوزنتهن: "سبحان الله وبحمده عدد خلقه، ورضا نفسه،
وزنة عرشه، ومداد كلماته".
وعن ابن عباس عن جويرية قالت: أتى علي رسول
الله (صلى الله عليه وسلم)وأنا أسبح ثم انطلق لحاجته ثم رجع من نصف النهار فقال:
"ما زلت قاعدة؟" قلت: نعم، قال:
"ألا أعلمك كلمات لو عدلن بهن عدلتهن أو لو وزن بهن وزنتهن؟ سبحان الله عدد
خلقه ثلاث مرات، سبحان الله زنة عرشه ثلاث مرات، سبحان الله رضا نفسه ثلاث مرات،
سبحان الله مداد كلماته ثلاث مرات".
ألم أعظم صداقك؟
عن مجاهد قال: قالت جويرية لرسول الله (صلى
الله عليه وسلم): إن أزواجك يفخرن عليّ، يقلن: لم يتزوجك رسول الله إنما أنت ملك
يمين، فقال رسول الله: "ألم أعظم صداقك؟ ألم أعتق أربعين رقبة من قومك؟"
ناقلة الحديث:
حدث عنها ابن عباس، وعبيد بن السباق، وكريب
مولى ابن عباس ومجاهد وأبو أيوب يحيى بن مالك الأزدي وجابر بن عبد الله.
بلغ مسندها في كتاب بقي بن مخلد سبعة أحاديث
منها أربعة في الكتب الستة، عند البخاري حديث وعند مسلم حديثان.وقد تضمنت مروياتها
أحاديث في الصوم، في عدم تخصيص يوم الجمعة بالصوم، وحديث في الدعوات في ثواب
التسبيح، وفي الزكاة في إباحة الهدية للنبي (صلى الله عليه وسلم) وإن كان المهدي
ملكها بطريق الصدقة، كما روت في العتق.
وهكذا وبسبعة أحاديث شريفة خلدت أم المؤمنين
جويرية بنت الحارث -رضي الله عنها- اسمها في عالم الرواية، لتضيف إلى شرف صحبتها
للنبي (صلى الله عليه وسلم) وأمومتها للمسلمين، تبليغها الأمة سنن المصطفى (صلى
الله عليه وسلم) ماتيسر لها ذلك. ومن الأحاديث التي أخرجها الإمام البخاريُ رحمه
الله عن قتادة عن أيوب عن جويرية بنت الحارث رضي الله عنها أن النبي (صلى الله
عليه وسلم) دخل عليها يوم الجمعة، وهي صائمة فقال" :أصمت أمس" ؟ قالت : لا،
قال: "تريدين أن تصومي غدا"؟ قالت : لا ، قال: "فأفطري"
وهذا يدل على كراهية تخصيص يوم الجمعة بالصوم
والنهي عن صيامه.
عن الطفيل بن أخي جويرية عن جويرية أن النبي (صلى
الله عليه وسلم) قال: "من لبس الحرير في الدنيا لبسه الله ثوبًا من نار".
عن مولى لجويرية عن جويرية أن النبي (صلى
الله عليه وسلم) كان يكره أن يأكل الطعام حتى يذهب فورة دخانه.
أثرها في الآخرين :
عن المهاجر أبي الحسن عن كلثوم بن عامر أن
جويرية بنت الحارث توضأت فأردت أن أتوضأ بفضل وضوئها فنهتني، ففي هذا النهي تعليم
لكلثوم.
وتقول لما أعتقني النبي وتزوجني، والله ما
كلمته في قومي حتى كان المسلمون هم الذين أرسلوهم، وما شعرت إلا بجارية من بنات
عمي تخبرني الخبر فحمدت الله.
وفاتها:
قال ابن عمر: حدثني عبد الله بن أبي الأبيض
عن أبيه قال: توفيت جويرية بنت الحارث زوج النبي (صلى الله عليه وسلم) في شهر ربيع
الأول سنة ست وخمسين في إمارة معاوية، وصلى عليها مروان بن الحكم وهو يومئذ والي
المدينة.
........................
المشهد10-8-2012 | 13:52 رابط :
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق