سير الصالحين: حفصة بنت الخطاب- حارسة القرآن
نادية كيلاني
أم
المؤمنين حفصة بنت أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه المعروفة بالصوامة
القوامة.
تزوجها رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في
شعبان سنة 3هـ
نسبها
أبوها : عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى
وأُمُّها: زينب بنت مظعون بن حبيب بن وهب.
وُلِدَتْ حفصة وقريش تبني البيت قبل مبعث النبي
بخمس سنين، وحفصة -رضي الله عنها- أكبر
أولاد عمر بن الخطاب؛ فقد ورد أن حفصة أسنُّ من عبد الله بن عمر، وكان مولدها قبل
الهجرة بثمانية عشر عامًا.
حياتها قبل النبي :
تزوَّجت حفصة من خُنَيْس بن حذافة السهمي، وقد
دخلا الإسلام معًا، ثم هاجر خُنَيْس إلى الحبشة في الهجرة الأولى، التي كانت
مكوَّنة من اثني عشر رجلاً وأربع نسوة، يرأسهم عثمان بن عفان ومعه السيدة رقيَّة
ابنة رسول الله (صلى الله عليه وسلم)
ثم هاجر خُنَيْس بن حُذافة مع السيدة حفصة –رضي
الله عنها- إلى المدينة. وقد شهد مع رسول الله بدرًا، ولم يشهد من بني سهم بدرًا
غيره.
وتُوُفِّيَ متأثِّرًا بجروح أُصيب بها في بدر.
فلما تُوفي زوجها تزوجها رسول الله صلى الله
عليه وسلم سنة ثلاث من الهجرة، ولها قريب من عشرين سنة ، وذلك بعد زواجه بعائشة
رضي الله عنها .
زواجها من النبي :
ورد
في صحيح البخاري :
بعد وفاة زوجها يرأف أبوها عمر بن الخطاب
بحالها، ثم يبحث لها عن زوج مناسب، فيقول: لقيتُ عثمان فعرضتُ عليه حفصة، وقلتُ:
- إن شئتَ أنكحتُكَ حفصة ابنة عمر. قال: سأنظر
في أمري. فلبثتُ لياليَ ثم لقيني، فقال: قد بدا لي أن لا أتزوج في يومي هذا.
قال
عمر: فلقيتُ أبا بكر، فقلتُ: إن شئتَ أنكحتُكَ حفصة ابنة عمر. فصمت أبو بكر، فلم
يُرْجِع إليَّ شيئًا، فكنت أَوْجَد عليه منِّي على عثمان، فلبثتُ ليالي، ثم خطبها
رسول الله ، فأنكحتها إيَّاه، فلقيني أبو بكر، فقال: لعلَّك وَجَدْتَ علَيَّ حين
عرضتَ علَيَّ حفصة، فلم أُرجع إليك شيئًا؟
فقلتُ: نعم. قال: فإنه لم يمنعني أن أرجع إليك
فيما عرضتَ علَيَّ إلاَّ أنِّي كنتُ علمتُ أن رسول الله قد ذكرها، فلم أكن لأفشي
سرَّ رسول الله، ولو تركها رسول الله لقبلتُها.
حفصة في بيت النبي :
اشتهرت السيدة حفصة -رضي الله عنها- بالغَيرة
على رسول الله بين زوجاته الأخريات؛ لذا فقد ورد عن عائشة رضي الله عنها:
أن
نساء النبي كنَّ حزبين؛ حزب فيه: عائشة، وحفصة، وصفيَّة، وسودة، وحزب فيه: أُمُّ
سلمة، وسائر أزواج النبي.
أوَّلاً: غيرتها من مارية القبطيَّة رضي الله
عنها:
في
قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ
لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [التحريم: 1]
قال
الطبري: اختَلَف أهل العلم في الحلال الذي كان الله جلَّ ثناؤه أحلَّه لرسوله،
فحرَّمه على نفسه ابتغاء مرضاة أزواجه، فقال بعضهم:
كان ذلك مارية مملوكته القبطيَّة، حَرَّمَهَا
على نفسه بيمين أنه لا يقربها طلب بذلك رضا حفصة بنت عمر زوجته؛ لأنها كانت غارت
بأن خلا بها رسول الله في يومها وفي حجرتها.
ثانيًا: غيرتها من السيدة صفيَّة رضي الله عنها:
عن
أنس قال: بلغ صفيَّة أن حفصة قالت: صفيَّة بنت يهودي. فبكت، فدخل عليها النبي وهي
تبكي فقال: "مَا يُبْكِيَكِ؟" قالت: قالت لي حفصة: إني ابنة يهودي. فقال
النبي: "إِنَّكِ لابْنَةُ نَبِيٍّ، وَإِنَّ عَمَّكِ لَنَبِيٌّ، وَإِنَّكِ
لَتَحْتَ نَبِيٍّ، فَفِيمَ تَفْخَرُ عَلَيْكِ؟" ثم قال: "اتَّقِي
اللَّهَ يَا حَفْصَةُ".
ثالثًا: غيرتها من السيدة سودة رضي الله عنها:
عن
رزينة مولاة رسول الله أن سودة اليمانيَّة جاءتْ عائشةَ تزورها وعندها حفصة بنت
عمر، فجاءت سودة في هيئة وفي حالة حسنة، عليها بُرد من دروع اليمن وخمار كذلك،
وعليها نقطتان مثل العدستين من صبر وزعفران .
فقالت حفصة لعائشة: يا أم المؤمنين! يجيء
رسول الله وهذه بيننا تبرق.
فقالت أُمُّ المؤمنين: اتَّقي الله يا حفصة. فقالت:
لأفسدَنَّ عليها زينتها.
فقالت لها حفصة: يا سودة، خرج الأعور.
ففزعت فزعًا شديدًا، فجعلت تنتفض، قالت: أين
أختبئ؟ قالت: عليكِ بالخيمة -خيمة لهم من سعف يختبئون فيها- فذهبت فاختبأت فيها،
وفيها القذر ونسيج العنكبوت، فجاء رسول الله وهما تضحكان لا تستطيعان أن تتكلَّما
من الضحك، فقال: "مَاذَا الضَّحِكُ؟"
ثلاث مرَّات، فأومأتا بأيديهما إلى الخيمة،
فذهب فإذا سودة ترعد، فقال لها: "يَا سَوْدَةُ، مَا لَكِ؟" قالت: يا
رسول الله، خرج الأعور. قال: "مَا خَرَجَ". فأخرجها، وجعل ينفض عنها
الغبار ونسيج العنكبوت.
رابعًا: غيرتها من السيدة عائشة رضي الله عنها:
عن
عائشة -رضي الله عنها- أن النبي كان إذا خرج أقرع بين نسائه، فطارت القرعة لعائشة
وحفصة، وكان النبي إذا كان بالليل سار مع عائشة يتحدَّث، فقالت حفصة: ألا تركبين
الليلة بعيري وأركب بعيرك؛ تنظرين وأنظر؟ فقالت: بلى. فركبتْ، فجاء النبي إلى جمل
عائشة وعليه حفصة
طلاقها من النبي ورجوعها إليه:
طَلَّقَ النبي السيدة حفصة -رضي الله عنها- فلمَّا
علم عمر بن الخطاب بطلاقها، حثى على رأسه التراب، وقال: ما يعبأ الله بعمر وابنته
بعد اليوم؛ فعن قيس بن زيد: أن النبي طلَّق حفصة بنت عمر تطليقة، فدخل عليها
خالاها قدامة وعثمان ابنا مظعون، فبكت وقالت: والله ما طلَّقني عن سبع. وجاء النبي
فقال: "قَالَ لِي جِبْرِيلُ: رَاجِعْ حَفْصَةَ؛ فَإِنَّهَا صَوَّامَةٌ
قَوَّامَةٌ، وَإِنَّهَا زَوْجَتُكَ فِي الْجَنَّةِ".
اهتمام النبي بتعليمها:
عن
الشفاء بنت عبد الله قالت: دخل علَيَّ رسول الله وأنا عند حفصة، فقال لي: "ألا
تُعَلِّمِينَ هَذِهِ رُقْيَةَ النَّمْلَةِ، كَمَا عَلَّمْتِيهَا الْكِتَابَةَ؟".
فعَنِ ابْنِ سِيرِينَ أَنَّهُ(صلى الله عليه
وسلم)نَهى عَنِ الرُّقي إِلاَّ فِي ثَلاثٍ: رُقْيَةِ النَّمْلَةِ ، وَالْحُمَةِ ،
وَالنَّفْسِ)
وفي الحديث إشارة واضحة إلى أن السيدة حفصة -رضي
الله عنها- كانت متعلمة للكتابة، وهو أمر نادر بين النساء في تلك الفترة الزمنيَّة
الممتدة في عمق الزمن، ومما أعان على توفُّر العلم لدى السيدة حفصة -رضي الله عنها-
وجودها في هذا المحضن التربوي بين أزواج النبي، حيث اتصال السماء بالأرض، وتتابع
نزول الوحي بالرسالة الخاتمة على الرسول الكريم .
وقد
نتج عن هذا كله أن لُقِّبت السيدة حفصة -رضي الله عنها- بحارسة القرآن، وكانت إحدى
أهمِّ الفقيهات في العصر الأوَّل في صدر الإسلام، وكثيرًا ما كانت تُسأل فتجيب رضي
الله عنها وأرضاها.
حياتها ومواقفها بعد النبي :
كانت -رضي الله عنها- بليغة فصيحة، قالت في مرض أبيها عمر بن الخطاب:
"يا أبتاه ما يحزنك؟! وفادتك على ربٍّ
رحيم، ولا تبعة لأحد عندك، ومعي لك من البشارة لا أذيع السرَّ مرَّتين، ونعم
الشفيع لك العدل، لم تَخْفَ على الله خشنة عيشتك، وعفاف نهمتك، وأخذك بأكظام
المشركين والمفسدين في الأرض"
مشاركتها في الأحداث:
بعد
وفاة النبي لزمت السيدة حفصة -رضي الله عنها- بيتها، ولم تخرج منه إلاَّ لحاجة،
وكانت هي وعائشة -رضي الله عنهما- يدًا واحدة، فلمَّا أرادت عائشة الخروج إلى
البصرة، همَّت حفصة -رضي الله عنها- الخروج معها.
ذكر ابن الجوزي في أحداث سنة ستٍّ وثلاثين أن
طلحة والزبير انطلقوا إلى حفصة، فقالت: رأيِي تبعٌ لرأي عائشة. حتى إذا لم يبقَ
إلاَّ الخروج، قالوا: كيف نستقلُّ وليس معنا مال نجهز به الناس؟ فقال يعلى بن أمية:
معي ستمائة ألف وستمائة بعير فاركبوها.
فقال ابن عامر: معي كذا وكذا فتجهَّزوا بها.
فنادى المنادي: إن أمَّ المؤمنين وطلحة والزبير
شاخصون إلى البصرة، فمن كان يريد إعزاز الإسلام والطلب بثأر عثمان ولم يكن عنده
مركب، ولم يكن له جهاز؛ فهذا جهاز وهذه نفقة. فحملوا ستمائة رجل على ستمائة ناقة
سوى مَنْ كان له مركب -وكانوا جميعًا ألفًا- وتجهَّزوا بالمال، ونادوا بالرحيل،
واستقلُّوا ذاهبين.
وأرادت حفصة الخروج، فأتاها عبد الله بن عمر
فطلب إليها أن تقعد فقعدت، وبعثت إلى عائشة تقول: إن عبد الله حال بيني وبين
الخروج. فقالت: يغفر الله لعبد الله.
حديثها:
روت -رضي
الله عنها- عن رسول الله وأبيها عمر بن الخطاب ستِّين حديثًا، اتَّفق البخاري
ومسلم على ثلاثة، وانفرد مسلم بستَّة، وقد روى عنها جماعة من الصحابة والتابعين؛
كأخيها عبد الله، وابنه حمزة، وزوجته صفية بنت أبي عبيد، وحارثة بن وهب، والمطلب
بن أبي وداعة، وأمُّ مبشر الأنصارية، وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وعبد الله بن
صفوان بن أمية، والمسيِّب بن رافع.. وغيرهم.
ومن
أهمِّ ما تُرِكَ عندها صحائف القرآن الكريم، التي كُتبت في عهد أبي بكر الصديق
بإشارة من عمر بن الخطاب، وقد اعتمد عثمان بن عفان على صحائف القرآن الكريم التي
كانت موجودة عندها -رضي الله عنها- في كتابة مصحف واحد للأمصار الإسلاميَّة.
وفاتها:
تُوُفِّيَتْ -رضي الله عنها- في شعبان سنة 45هـ،
على أرجح الروايات،بالمدينة، ولها ستون سنة، ودفنت بالبقيع.
وقد
قيل: سنة سبع وعشرين للهجرة في خلافة عثمان. وإنما جاء اللَّبس؛ لأنه قيل: إنها
تُوُفِّيَتْ في العام الذي فُتحت فيه إفريقيَّة، وقد بدأ فتحها في عهد عثمان، ثم
تَمَّ الفتح عام 45هـ،
والراجح أنها تُوُفِّيت عام 45هـ؛ لأنها
أرادت أن تخرج مع عائشة -رضي الله عنها- إلى البصرة بعد مقتل عثمان، وكان ذلك في
حدود عام 36هـ، كما ذُكر من قبلُ، فرضي الله عنها وأرضاها.
...............
المشهد 6-8-2012 | 15:53 رابط
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق