سير الصالحين: خديجة بنت خويلد
نادية كيلاني
أول
من تزوج النبي، وأول من أسلم من النساء وأول من أسلم من المسلمين جميعا
أبوها: خويلد بن أسد بن عبد العزى جد الزبير
بن العوام.
أمها:
فاطمة بنت زائدة بن الأصم عمة ابن أم مكتوم.
لم
يتزوج النبي غيرها طيلة حياتها، وكان له منها أبناء وبنات، أما الأبناء، فلم يعش
منهم أحدٌ، وأما البنات فهن: زينب ورقية وأم كلثوم وفاطمة، فأما زينب فتزوجها قبل
الهجرة ابن خالتها أبو العاص بن الربيع، وأما رقية وأم كلثوم فقد تزوجهما عثمان بن
عفان رضي الله عنه الواحدة بعد الأخرى، وأما فاطمة فتزوجها علي بن أبي طالب بين
بدر وأحد، ومنها كان الحسن والحسين وزينب وأم كلثوم.
ولدت
خديجة سنة 68 قبل الهجرة 556 م في مكة،
لكن هذا يتعارض مع سنها حين وفاتها وهذا ما أثبته البيهقي أن خديجة رضي الله عنها
توفيت وعمرها خمسين سنة، وهو أصح. وقال الحاكم:"أنها لم تبلغ الستين سنة".
إذا
الرأي الذي يقول بأن الرسول تزوجها وهو في خمس وعشرين من سنِّه، وهي في الأربعين
غير صحيح والصحيح ما قاله ابن عباس أنها كانت في الثامنة والعشرين.
وقد مات والدها يوم حرب الفِجَار.
يروى أنها تزوجت مرتين قبل زواجها بمحمد من
سيدين من سادات قريش هما:
"عتيق بن عائذ المخزومي"فولدت له"حارثة"
ثم خلف عليها بعده
"أبو هالة التميمي؛ واغلب الروايات تذكر
أنها ولدت له"هالة وهند"
وروايات أخرى تقول إنها لم تلد له سوى هند.
حيث ورد ذكر هند بن أبي هالة أكثر من هالة بن
أبي هالة، وفي رواية أنه تربى في حجر الرسول (صلى الله عليه وسلم) ونقلت بعض
المصادر قوله: "أنا أكرم الناس بأربعة أبي رسول الله(صلى الله عليه وسلم) وأمي
خديجة, وأختي فاطمة, وأخي القاسم"
يذكر أن"أبو هالة التميمي" زوج
السيدة خديجة رضي الله عنها ترك لها ثروة كبيرة, وتجارة رائجة, فقامت خديجة رضي
الله عنها بإدارة أموالها وتوجيهه بما أوتيت من خبرة ومعرفة ونشاط, واستطاعت أن
تؤسس في مكة بيتًا ماليًّا تجاريًّا ضخمًا, أصبح علماً عليها, تٌعرف به،وراحت
قوافلها تمضي مصعدة نحو"الشام" أو هابطة شطر"اليمن".
وكانت رضي الله عنها تستأجر الرجال وتدفع المال مضاربة، فبلغها أن محمد بن
عبد الله يدعى بالصادق الأمين وأنه كريم
الأخلاق، فبعثت إليه وطلبت منه أن يخرج في تجارة لها إلى الشام مع غلام يدعى "ميسرة"
وقد وافق.
زواجها من محمد بن عبد الله
رجعت قافلة التجارة من الشام وقد ربحت أضعاف
ما كانت تربح من قبل، وأخبر الغلام"ميسرة" سيدته عن أخلاق محمد وصدقة وأمانته، فأعجبها وحكت لصديقتها"نفيسة
بن مُنية"، فطمئنتها "نفيسة" واعتزمت أن تخبر محمدا برغبة خديجة
من الزواج منه.
(لم
تقلها مباشرة ولكن فهم ذلك من حديثها الطيب عن خديجة).
لم
تمض إلا فترة قصيرة حتى سارع لطلب الزواج من خديجة وفي صحبته عماه"أبو طالب
وحمزة، وتزوج محمد من خديجة. وكان عمر الرسول محمد عندها 25 عامًا.
روى الخوارزمي والحاكم أن خديجة كان عمرها
يوم أن تزوّج بها محمد ﷺثمان
وعشرين سنة. وعن ابن عباس أنه تزوجها وهى ابنة ثمان وعشرين سنة. وتعددت الأقوال في
هذا.
إسلامها
كان
قد مضى على زواجها من محمد 15 عامًا، وقد بلغ محمد الأربعين من العمر، وكان قد
اعتاد على الخلوة في غار "حراء" ليتأمل ويتدبر في الكون.
وفي
ليلة القدر، عندما نزل الوحى على محمد وانطلق إلى منزله خائفاً يرتجف، حتى بلغ
حجرة زوجتة خديجة فقال: "زملوني"، فزملوه حتى ذهب عنه الروع، فقال:
"مالي يا خديجة؟، وحدثها بصوت مرتجف، وحكى لها ما حدث.. وقال "لقد خشيت
على نفسي". فطمئنته قائلة: "والله لا يخزيك الله ابدا.. إنك لتصل الرحم،
وتصدق الحديث، وتحمل الكَلّ، وتقرى الضيف، وتعين على نوائب الحق" فكانت أول
من آمن برسالته وصدّقه.. فكانت بهذا أول من أسلم من المسلمين جميعا وأول من اسلم
من النساء.
منزلة خديجة عند محمد
كانت
لخديجة منزلة خاصة في قلبه فهي عاقلة، جليلة، دينة، مصونة، كريمة. وحتى بعد وفاتها
وزواج محمد من غيرها من النساء لم تستطع أي واحدة منهن أن تزحزح"خديجة" عن
مكانتها في قلب محمد.
فبعد
أعوام من وفاتها وبعد انتصار المسلمين في معركة"بدر" وأثناء تلقي فدية
الأسرى من قريش، لمح محمد قلادة لخديجة بعثت بها ابنتها"زينب" في فداء
لزوجها الأسير"أبي العاص بن الربيع" حتى رق قلبه من شجو وشجن وذكرى
لزوجتة الأولى "خديجة" فطلب من اتباعه أن يردوا على زينب قلادتها ويفكوا
أسيرها إن شاءوا.
وقالت عائشة: كان محمد لا يكاد يخرج من البيت
حتى يذكر خديجة فيحسن الثناء عليها، فذكر خديجة يوما من الأيام فأدركتني الغيرة،
فقلت هل كانت إلا عجوزًا فأبدلك الله خيرًا منها، فغضب ثم قال:" لا والله ما
أبدلني الله خيرًا منها، آمنت بي حين كفر الناس، وصدقتني إذ كذبني الناس، وواستني
بمالها إذ حرمني الناس، ورزقني منها الله الولد دون غيرها من النساء فقالت عائشة "
اعف عني، ولا تسمعنى أذكر "خديجة" بعد هذا اليوم بشيء تكرهه".
قالت
عائشة"ما غرت على أحد من نساء محمد ما غرت على خديجة. وما رأيتها، ولكن كان
يكثر ذكرها وربما ذبح الشاة ثم قطعها أعضاء ثم يبعثها في صدائق خديجة، فربما قلت
له: كأن لم يكن في الدنيا امرأة إلا خديجة. فيقول: إنها كانت وكانت، وكان لي منها
الولد..."
خير نساء الجنة
لا
شك أن امرأة بمثل هذه الأوصاف لا بد أن يكون لها منزلة رفيعة، فها هو الرسول يعلن
في أكثر من مناسبة بأنها خير نساء الجنة؛ فقد روي عن أنس بن مالك أن النبي قال:
"حسبك من نساء العالمين: مريم بنت عمران، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد،
وآسية امرأة فرعون".
ربها يقرئها السلام
ليس
هذا فحسب، بل يُقرِئُها المولى السلام من فوق سبع سموات، ويبشرها ببيت من قصب في
الجنة؛ فعن أبي هريرة أنه قال: أتى جبريلٌ النبيَّ فقال: "يَا رَسُولَ
اللَّهِ، هَذِهِ خَدِيجَةُ قَدْ أَتَتْ مَعَهَا إِنَاءٌ فِيهِ إِدَامٌ أَوْ
طَعَامٌ أَوْ شَرَابٌ، فَإِذَا هِيَ أَتَتْكَ فَاقْرَأْ عَلَيْهَا السَّلاَمَ مِنْ
رَبِّهَا وَمِنِّي، وَبَشِّرْهَا بِبَيْتٍ فِي الْجَنَّةِ مِنْ قَصَبٍ، لاَ صَخَبَ
فِيهِ وَلاَ نَصَبَ".
وفاتها
توفيت "خديجة" قبل هجرة محمد إلى يثرب
بثلاث أعوام، أنزلها محمد بنفسه في حفرتها وأدخلها القبر بيديه، ودفنها بالحجون (مقابر
المعلاة بمكة المكرمة).
قال عنها المؤرخون
يقول بودلي: (إن ثقتها في الرجل الذي تزوجته.. لأنها أحبته..كانت تضفى جوا
من الثقة على المراحل الأولى للعقيدة التي يدين بها اليوم واحد في كل سبعة من سكان
العالم).
ويؤرخ مرجليوث حياة محمد باليوم الذي لقى فية
خديجة و"مدت يدها إليه تقديرا"، كما يؤرخ حادث هجرته إلى "يثرب"
باليوم الذي خلت فية "مكة" من "خديجة".
ويطيل " درمنجم " الحديث عن موقف "
خديجة " حين جاءها زوجها من غار حراء " خائفا مقرورا أشعث الشعر
واللحية، غريب النظرات.. فإذا بها ترد إلية السكينة والأمن، وتسبغ عليه ود الحبيبة
وإخلاص الزوجة وحنان الأمهات، وتضمه إلى صدرها فيجد فيه حضن الأم الذى يحتمى به من
كل عدوان في الدنيا "
وكتب
عن وفاتها: "... فقد محمد بوفاة خديجة تلك التي كانت أول من علم أمره فصدقته،
تلك التي لم تكف عن إلقاء السكينة في قلبه.. والتي ظلت ما عاشت تشمله بحب الزوجات
وحنان الامهات".
........................
المشهد 30-7-2012 | 15:15رابط
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق